فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {من قُرَّة أعيُنٍ} وقرأ أبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي، وقتادة: {من قُرَّات أعيُنٍ} بألف على الجمع.
قوله تعالى: {أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا} في سبب نزولها قولان.
أحدهما: أن الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط قال لعليّ بن أبي طالب: أنا أحدٌّ منك سنانًا، وأبسط منك لسانًا، وأملأ للكتيبة منك، فقال له عليٌّ: اسكت فانما أنت فاسق، فنزلت هذه الآية، فعنى بالمؤمن عليًّا، وبالفاسق الوليد، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عطاء بن يسار، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، ومقاتل.
والثاني: أنها نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل، قاله شريك.
قوله تعالى: {لا يستوون} قال الزجاج: المعنى: لا يستوي المؤمنون والكافرون؛ ويجوز أن يكون لاثنين، لأن معنى الاثنين جماعة؛ وقد شهد الله بهذا الكلام لعليٍّ عليه السلام بالايمان وأنَّه في الجنَّة، لقوله: {أمَّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنَّات المأوى}.
وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرّف: {جنةُ المأوى} على التوحيد.
قوله تعالى: {نُزُلًا} وقرأ الحسن، والنخعي، والأعمش، وابن أبي عبلة: {نُزْلًا} بتسكين الزاي.
وما بعد هذا قد سبق بيانه [الحج: 22] إلى قوله تعالى: {ولَنُذيقنَّهم منَ العذاب الأدنى} وفيه ستة أقوال:
أحدها: أنه ما أصابهم يوم بدر، رواه مسروق عن ابن مسعود، وبه قال قتادة، والسدي.
والثاني: سنون أُخذوا بها، رواه أبو عبيدة عن ابن مسعود، وبه قال النخعي.
وقال مقاتل: أُخذوا بالجوع سبع سنين.
والثالث: مصائب الدنيا، قاله أُبيُّ بن كعب، وابن عباس في رواية ابن أبي طلحة، وأبو العالية، والحسن، وقتادة، والضحاك.
والرابع: الحدود، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والخامس: عذاب القبر، قاله البراء.
والسادس: القتل والجوع، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {دون العذاب الأكبر} أي: قَبْل العذاب الأكبر؛ وفيه قولان.
أحدهما: أنه عذاب يوم القيامة، قاله ابن مسعود.
والثاني: أنه القتل ببدر، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {لعلَّهم يرجعون} قال أبو العالية: لعلهم يتوبون.
وقال ابن مسعود: لعلَّ مَنْ بقي منهم يتوب.
وقال مقاتل: لكي يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان.
قوله تعالى: {ومن أظلمُ} قد فسرناه في [الكهف: 57].
قوله تعالى: {إنَّا من المجرمين منتقمون} قال زيد بن رفيع: هم أصحاب القَدَر.
وقال مقاتل: هم كفار مكة انتقم الله منهم بالقتل ببدر، وضربت الملائكةُ وجوههم وأدبارهم، وعجُّل أرواحهم إلى النار.
قوله تعالى: {ولقد آتَيْنا موسى الكتاب} يعني التوراة {فلا تَكُنْ في مرْيَة من لقائه} فيه أربعة أقوال:
أحدها: فلا تكن في مرية من لقاء موسى ربَّه، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: من لقاء موسى ليلة الإسراء، قاله أبو العالية، ومجاهد، وقتادة، وابن السائب.
والثالث: فلا تكن في شكٍّ من لقاء الأذى كما لقي موسى، قاله الحسن.
والرابع: لا تكن في مرية من تلقّى موسى كتابَ الله بالرضى والقبول، قاله السدي.
قال الزجاج: وقد قيل: فلا تكن في شكٍّ من لقاء موسى الكتاب، فتكون الهاء للكتاب.
وقال أبو علي الفارسي: المعنى: من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أُمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل.
وفي قوله: {وجعلناه هُدىً} قولان.
أحدهما: الكتاب، قاله الحسن.
والثاني: موسى، قاله قتادة.
{وجعلنا منهم} أي: من بني إسرائيل {أئمَةً} أي: قادة في الخير {يَهْدُونَ بأمرنا} أي: يدعون الناس إلى طاعة الله {لمَّا صبروا} قرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {لَمَّا صبروا} بفتح اللام وتشديد الميم.
وقرأ حمزة، والكسائي: {لمَا} بكسر اللام خفيفة.
وقرأ ابن مسعود {بما} بباء مكان اللام؛ والمراد: صبرهم على دينهم وأذى عدوّهم {وكانوا بآياتنا يوقنون} أنها من الله عز وجل؛ وفيهم قولان.
أحدهما: أنهم الأنبياء.
والثاني: أنهم قومٌُ صالحون سوى الأنبياء.
وفي هذا تنبيه لقريش أنكم إن أَطعتم جعلتُ منكم أئمة.
قوله تعالى: {إنَّ ربَّكَ هو يَفْصلُ بينهم} أي: يقضي ويحكُم؛ وفي المشار إليهم قولان.
أحدهما: أنهم الأنبياء وأُممهم.
والثاني: المؤمنون والمشركون.
ثم خوَّف كفار مكة بقوله: {أَوَلَمْ يَهْد لهم} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {نَهْد} بالنون.
وقد سبق تفسيره في [طه: 128].
{أَوَلَمْ يَرَوا أنَّا نَسُوق الماء} يعني المطر والسيل {إلى الأرض الجُرُز} وهي التي لا تُنبت- وقد ذكرناها في أول [الكهف: 8]- فإذا جاء الماء أنبتَ فيها ما يأكل الناس والأنعام.
{ويقولون} يعني كفار مكة {متى هذا الفتح} وفيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه ما فتح يوم بدر؛ روى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: يومَ بدر فُتح للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فلم ينفع الذين كفروا إيمانُهم بعد الموت.
والثاني: أنه يوم القيامة، وهو يوم الحُكم بالثواب والعقاب، قاله مجاهد.
والثالث: أنه اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب في الدنيا؛ قاله السدي.
والرابع: فتح مكة، قاله ابن السائب، والفراء، وابن قتيبة؛ وقد اعتُرض على هذا القول، فقيل: كيف لا ينفع الكفارَ إيمانُهم يوم الفتح، وقد أسلم جماعة وقُبلَ إسلامُهم يومئذ؟! فعنه جوابان.
أحدهما: لا ينفع مَنْ قُتل من الكفار يومئذ إيمانُهم بعد الموت؛ وقد ذكرناه عن ابن عباس.
وقد ذكر أهل السّيَر أنَّ خالدًا دخل يوم الفتح من غير الطريق التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه صفوان بن أميَّة وسهيل ابن عمرو في آخرين فقاتلوه، فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم، فقتل أربعة وعشرين من قريش، وأربعة من هذيل، وانهزموا، فلمَّا ظهر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم أَنه عن القتال»؟ فقيل: إن خالدًا قوتل فقاتل.
والثاني: لا ينفع الكفارَ ما أُعطوا من الأمان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَغلق بابَه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» قال الزجاج: يقال: آمنتُ فلانًا إيمانًا، فعلى هذا يكون المعنى: لا يدفع هذا الأمانُ عنهم عذابَ الله.
وهذا القول الذي قد دافعنا عنه ليس بالمختار، وإنما بيَّنَّا وجهه لأنه قد قيل.
وقد خرج بما ذكرنا في الفتح قولان.
أحدهما: أنه الحكم والقضاء، وهو الذي نختاره.
والثاني: فتح البلد.
قوله تعالى: {فأَعْرضْ عنهم وانْتَظر} أي: انتظر عذابهم {إنَّهم مُنْتَظرونَ} بك حوادث الدهر.
قال المفسرون: وهذه الآية منسوخة بأية السيف. اهـ.

.قال ابن جزي:

{تتجافى جُنُوبُهُمْ عَن المضاجع} أي ترتفع والمعنى يتركون مضاجعهم بالليل من كثرة صلاتهم النوافل، ومن صلى العشاء والصبح في جماعة فقد أخذ بحظه من هذا.
{فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفيَ لَهُم مّن قُرَّة أَعْيُنٍ} يعني: أنه لا يعلم أحد مقدار ما يعطيهم الله من النعيم وقرأ حمزة {أُخْفي} بإسكان الياء على أن يكون فعل المتكلم وهو الله تعالى.
{أَفَمَن كَانَ مُؤْمنًا} الآية: يعني المؤمنين والفاسقين على العموم، وقيل: يعني عليّ بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط.
{ذُوقُوا عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ به تُكَذّبُونَ} الذي نعت بالعذاب، ولذلك أعاد عليه الضمير المذكور في قوله: {به}، فإن قيل: لم وصف هنا العذاب وأعاد عليه الضمير، ووصف في سبأ النار وأعاد عليها الضمير، وقال عذاب النار التي كنتم بها تكذبون؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول أنه خص العذاب في السجدة بالوصف اعتناء به لما تكرر ذكره في قوله: {وَلَنُذيقَنَّهُمْ مّنَ العذاب الأدنى دُونَ العذاب الأكبر}، والثاني: أنه قدم في السجدة ذكر النار، فكان الأصل أن يذكرها بعد ذلك بلفظ الضمير، لكنه جعل الظاهر مكان المضمر فكما لا يوصف المضمر لم يوصف ما قام مقامه وهو النار، ووصف العذاب ولم يصف النار، الثالث وهو الأقوى أنه امتنع في السجدة وصف النار فوصف العذاب، وإنما امتنع وصفها لتقدم ذكرها، فإنك إذا ذكرت شيئًا ثم كررت ذكره لم يجز وصفه، كقولك: رأيت رجلًا فأكرمت الرجل، فلا يجوز وصفه لئلا يفهم أنه غيره.
{وَلَنُذيقَنَّهُمْ مّنَ العذاب الأدنى} يعني الجوع ومصائب الدنيا وقيل: القتل يوم بدر، وقيل: عذاب القبر وهذا بعيد لقوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ}.
{إنَّا منَ المجرمين مُنتَقمُونَ} هذا وعيد لمن ذُكر بآيات ربه فأعرض عنها، وكان الأصل أن يقول: إنا منه منتقمون، ولكنه وضع المجرمين موضع المضمر ليصفهم بالإجرام، وقدّم المجرور في منتقمون للمبالغة.
{فَلاَ تَكُن في مرْيَةٍ مّن لّقَآئه} المرية الشك، والضمير لموسى: أي لا تمتر في لقائك موسى ليلة الإسراء وقيل: المعنى لا تشك في لقاء موسى، والكتاب الذي أنزل عليه، والكتاب على هذا التوراة، وقيل: الكتاب هنا جنس، والمعنى: لقد آتينا موسى الكتاب فلا تشك أنت في لقائك الكتاب الذي أنزل عليك، وعبر باللقاء عن إنزال الكتاب كقوله: {وَإنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن} [النمل: 6].
{يَفْصلُ بَيْنَهُمْ} الضمير لجميع الخلق، وقيل: لبني إسرائيل خاصة.
{أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ} ذكر في [طه: 128] {يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ} الضمير في يمشون لأهل مكة: أي يمشون في مساكن القوم المهلكين: كقوله: {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مّن مَّسَاكنهمْ} [العنكبوت: 38] وقيل: الضمير للمهلكين: أي أهلكناهم وهم يمشون في مساكنهم، والأول أحسن لأن فيه حجة على أهل مكة.
{الأرض الجرز} يعني التي لا نبات فيها من شدّة العطش.
{متى هذا الفتح} أي الحكم بين المسلمين والكفار في الآخرة، وقيل: يعني فتح مكة، وهذا بعيد لقوله: {قُلْ يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كفروا إيَمَانُهُمْ} وذلك في الآخرة، وقيل: يعني فتح مكة، لأن من آمن يوم فتح مكة نفعه إيمانه.
{فَأَعْرضْ عَنْهُمْ} منسوخ بالسيف {وانتظر إنَّهُمْ مُّنتَظرُونَ} أي انتظر هلاكهم إنهم ينتظرون هلاكك، وفي هذا تهديد لهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها} أي وعظوا بها {خروا سجدًا} يعني سقطوا على وجوههم ساجدين {وسبحو بحمد ربهم} يعني صلوا بأمر ربهم وقيل قالوا سبحان الله وبحمده {وهم لا يستكبرون} يعني عن الإيمان به والسجود له.
ق عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة فيسجد ويسجدون حتى ما يجد أحدنا مكانًا لوضع جبهته في غير وقت الصلاة.
م عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلنا أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» وهذه من عزائم سجود القرآن فتسن للقارئ وللمستمع.
قوله تعالى: {تتجافى جنوبهم} يعني ترتفع وتنبو {عن المضاجع} جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعني الفرش، وهم المتهجدون بالليل الذي يقيمون الصلاة، وقال أنس نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أنس في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة أخرجه الترمذي وقال الحديث حسن غريب صحيح.
وفي رواية أبي داود عنه قال كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء أي يصلون، وهو قول أبي حازم ومحمد بن المنكدر وقيل هي صلاة الأوابين.
روي عن ابن عباس قال: إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوابين وقال عطاء: هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الأخيرة والفجر في جماعة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله» أخرجه مسلم من حديث عثمان بن عفان.
ق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا» وأشهر الأقاويل أن المراد منه صلاة الليل وهو قول الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعي وجماعة.
فصل في فضل قيام الليل والحث عليه:
عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يومًا قريبًا منه وهو يسير، فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال: «سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفىء الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {جزاء بما كانوا يعملون}، ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت بلى يا رسول الله قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد، ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله؛ قلت بلى يا رسول الله قال فأخذ بلسانه وقال اكفف عليك هذا فقلت يا رسول الله وإنما لمؤاخذون بما نتكلم فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجهوهم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
أخرجه الترمذي عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى ربكم وتكفير السيئات ومنهاة عن الآثام ومطردة الداء عن الجسد» أخرجه الترمذي.